على أرض جنين عرس ... عرس شهيد ...الزغاريد رصاص ... الحناء دماء ... الأهازيج تغني مواويل الأرض... وأصحاب العرس شعب علّم الأعداء درساً ... سطر في صفحة التاريخ معنى الفداء ... وردّ كيد صهيون إلى نحره...من جديد تهلّ الذكرى السابعة للملحمة البطولية ... من جديد تطلّ علينا رياح النّصر الآتي من هناك من أرض الرباط والجهاد والمقاومة، من جنين العزّة والكرامة، على أرض فلسطين المباركة.. هنالك سطّر الدّم لغة النصر، وصنع السّيف ما عجزت عنه الجيوش الجرارة، هنالك مرّغ المقاومون أنوف قادة وجنرالات جيش العدو الصهيوني بالتراب، وأذاقوهم الرّعب والموت والويلات.. وهاهي تطلّ علينا، وتهلّ حاملة معها رياح الشهادة والانتصار.. فبرغم ما حلّ بأهالي مخيم جنين من دمار ومآسٍ، فإن نيسان لا يزال يحفّز في أعماقهم معاني الثورة والبطولة والاستعداد لمزيد من التضحيات والمواجهة.وفي هذه المعركة البطولية نعود لنستحضر من جديد دماء الشهداء التي صنعت النّصر وهزمت أسطورة «الجيش الذي لا يُهزم»..والتي ستبقى لعنة على الإحتلال وستضيء الطريق وتعبده وتمهده إن شاء الله نحو النصر المبين والقادم الذي لا ريب فيه، دماء الشهيد الجنرال محمود طوالبة والشيخ رياض بدير وأبو جندل وجميع الشهداء الأبطال الذين رووا بدمائهم الزكية وأجسادهم الطاهرة أرض جنين وكل فلسطين بالعزّة والكرامة والبطولة. تلك الثلة من الشباب المؤمن التي قادت المعركة أمام أعتى آلة عسكرية في العالم فشهد على صمودهم وثباتهم وشجاعتهم العدو قبل الصديق ...هؤلاء الشباب أثبتوا أن القضية لا يمكن أن تموت والمقاومة لا تنتهي بانتهاء شخص،فالمقاومة مستمرة مادام هناك فلسطيني يحلم بالعودة لأرضه المغتصبة .ففي نيسان 2002 حاول الإحتلال إجتياح المخيم بذريعة إنطلاق الإستشهاديين منه لتنفيذ عمليات داخل الأراضي المحتلة عام 1948 وذلك في إطار عملية واسعة أطلق عليها (السور الواقي) استهدفت الضفة الغربية كاملة والهدف منها القضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية ، فقد تصدت المقاومة في جنين ببسالة نادرة النظير للغزاة وأوقفت دباباتهم بعد أن فخخت كل شيء في طريقهم، فلجأ العدو إلى سياسة الحصار والقصف الجوي وتدمير منازل المخيم والإغتيالات والإعتقالات لكن ذلك كان من دون جدوى فلجأ شارون إلى سياسة التجويع فقطع الحليب عن الأطفال والمواد الغدائية والمياه والكهرباء عن المخيم وفرض حظراً إعلامياً مطبقاً، وأمام هذا الصمود البطولي والمنقطع النظير فقد الجيش الصهيوني صوابه وبدأ معركة لا تختلف كثيراً عن المعارك التاريخية المشهورة. أكثر من خمسماءة دبابة ومجنزرة وآلية مزودة بالمدفعية الثقيلة والرشاشات أحاطت بالمخيم من كافة مداخله، طائرات الأباتشي حلقت فوق سمائه وصبت حممها فوق رؤوس ساكني المخيم، و سلاح المدفعية يوجه قدائفه الثقيلة ضد المنازل، و رغم هذا أبى مخيم جنين إلا أن يسطر ملحمة في الشجاعة و الصمود رغم أنه يفتقر إلى الموقع الجغرافي الذي يمكنه من ذلك فهو يقع على أطراف سهل زراعي وتحيط بطرفه تلة مرتفعة مما يجعله عرضة للقصف و الإغارة كما أن الخطوط الدفاعية وخطوط الإمداد معدومة في هذا المخيم البطل ومن هنا لجأ العدو إلى إستخدام الجرافات العملاقة لتدمير المنازل الواحد تلوى الآخر والإستعانة بالمدافع والطائرات للقصف كان هو الأسلوب الوحيد الذي يسنح للصهاينة من التقدم بصعوبة بالغة، وبعدها باشر بارتكاب مجزرة بحق المدنيين لا تختلف عن تلك التي ارتكبها في صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982، فأسقطت قوات الإحتلال المنازل على رؤوس ساكنيها و قضت على الأسر عن بكرة أبيها و منعت سيارات الإسعاف و طواقمها من الوصول إلى المخيم فقضى عدد من الفلسطينيين نحبهم و هم ينزفون من دون أن يستثني رصاص الإحتلال المسعفين أنفسهم حيث سقط عدد منهم شهداء فترامت الجثث المتحللة وأصبحت تهدد المخيم بخطر الوباء بعد أن منع جيش الإحتلال دفنها فيما انتشرت الجثت المتفحمة التي أحرقها جيش الإحتلال داخل المخيم، و برغم كل الإجرام الصهيوني لم تتمكن قوات الإحتلال من اجتياح المخيم حتى نفذت ذخيرة المجاهدين البواسل الذين تمترسوا خلف إرادة جبارة و عزيمة لا يفتتها حصار و لا يرهبها أي كان. وفي المقابل كان الفلسطينيون في مخيم جنين يدركون وهلة الإقتحام, لذلك أعدوا العدة الكاملة و جمعوا كافة مجاهديهم ومقاتليهم في المخيم وغيره، وزودوا أنفسهم بمواد ناسفة كثيرة و رشاشات خفيفة و ثقيلة وزرعوا الألغام في كل مكان في مجاري المياه و الأزقة و السيارات القديمة و غيرها ، حتى الهواء لغمه المقاتلون في مخيم جنين ، فواجهوا العدو بعمليات نوعية و إستشهادية و خاضوا ضده معارك ضارية لدرجة أن بعض المجاهدين عندما نفدت ذخيرتهم قفزوا إلى الدبابات و بعضهم وصل به الأمر إلى الدخول بعراك بالأيادي مع الجنود الصهاينة و بعض الأشبال الذين صمدوا طلبوا ملء حقائبهم المدرسية بالعبوات الناسفة والبعض الآخر بقوا لمدة أربعة أيام بدون طعام أو مياه ، و النساء رغم علمهن بخطورة الموقف إلى أنهن آثروا البقاء من أجل إعداد الطعام للمجاهدين و المخاطرة بحياتهم لإيصال المياه لهم و رفع معنويات أبناءهن مما أدى إلى إعطاء دفعة كبير للصمود ، كما أن المجاهدين لم يصدروا أي أمر إلى السكان بالمغادرة أو البقاء و ترك الأمر لهم فكان موقفهم موقفاً مشرفاً فرفضوا تكرار النكبة من جديد ، نكبة اللجوء والنزوح و أصروا على البقاء و تحمل ما يتحمله المجاهدون . فمن الحوادث التي تبث رسوخ الشجاعة والقوة في الدفاع عن أرض الإسراء و المعراج لدى الأبطال المجاهدين ما حدث عندما كان ضابط صهيوني يحمل رتبة كولونيل يقف على باب أحد المداخل المؤدية إلى المخيم و يصرخ من أعماق قلبه إلى الجنود الذين ربط الخوف على قلوبهم فأراد أن يشير بنفسه لهم عن كيفية العبور من خلال خروجه من تحت الحائط الذي يختبئ تحته إلى الشارع المكشوف ظنا منه أنه سيزرع شيئا من القوة و الشجاعة في نفوس جنوده الجنباء، و ما أن أصبح في طرف الشارع المؤدي للمخيم حتى عاجله رصاص المجاهدين البواسل ، فإذا بواحدة تستقر في رقبته فخر صريعا و بقتله زُرعت هزيمة ماحقة في قلوب جنود الجيش المعروف بقوته و جبروته ، و ليزداد المخيم فخراً على فخر يوم انطلت خدعة المقاومين على ضباط أرادوا أن يعسكروا في بناية من ثلاث طوابق، كان المجاهدون في المخيم قد زرعوا في كل زاوية منها عبوة ناسفة و استجمع الجنود قواهم و قواتهم وعسكروا على ظهرها و داخل حجراتها ظناً منهم أنهم حصلوا على موقع استراتيجي سيمكنهم من قنص رجال المقاومة الشجعان، وما هي إلا دقائق حتى قام رجال المقاومة بتفجير المبنى عن بعد فأصبح نسيا منسيا ، فتناثرت الجثث في الشوارع والأزقة الشيء الذي دفع بقيادة جيش الإرهاب إلى أن تطلب من الصليب الأحمر الدولي التدخل لوقف إطلاق النار من أجل نقل الجرحى وأخد جثث القتلى . استمر الوضع على ما هو عليه في مخيم جنين و بقي بعض الرجال يقاومون العدو حتى الاستشهاد فارتفعت بعض الأصوات الدولية و ازدادت الضغوط على العدو الذي أسرع في عملياته للقضاء على من بقي في المخيم فقتل كل من طالته نيرانه و أسر كل من تمكن من أسره و قبل أن ينسحب - بعد أسبوعين من الإجتياح - نقل الشهداء على شاحنات ودفنهم في مقابر جماعية سرية لإخفاء مجزرته ولكن عبثا ً يحاول ... فكانت النتيجة أن قدم أهل المخيم 70 شهيداً ومئات الجرحى، وهدم 445 منزلاً، وشرد 5000 مواطن، ودمرت كافة البنى التحتية ( من كهرباء وماء وتلفون وأرصفة ) واعتقال 4000 مواطن، حتى قبور الشهداء لم تسلم من همجيتهم فقد تم تجريفها ، في المقابل قتل 33 جندياً وسقط أكثر من 150 جريحاً ، تلك هي جنين التي أسماها شارون (عش الدبابير) ولكن أبطالها يصرون على تسميتها بحزام النار وعاصمة الاستشهاديين وعرين المقاومة الذي لا ينهزم .فالإحتلال الصهيوني حاول أن يجعل من جنين نموذج للعقاب الجماعي لكسر إرادة الشعب الفلسطيني المجاهد ، لقد تعمد الإحتلال إحداث هذا المستوى من القتل والتدمير ليرهب شعبنا الفلسطيني الأبي في كل مكان و ليكسر إرادة الصمود عنده و ليظهر له أن كل مخيم أو مدينة أو قرية يحاول أن يسير على طريق مخيم جنين سيعاقب بمثل هذا العقاب و ليثبت لهم أن صمودهم لن ينفع لكن أهالي جنين العظماء لم يسمحوا للإحتلال أن يحقق أحلامه و كسروها على أبواب مخيمهم فأعادوا الحياة إلى المخيم مباشرة بعد الإجتياح و رفعوا رايات المقاومة فوق الأنقاض و أكدوا أنهم في صف واحد فقد توحدت جميع فصائل المقاومة تحت مسمى (المقاومة الوطنية والاسلامية الموحدة) وقسمت المحاور والمجموعات ووضعت آلية للتعاون فيما بينها و تبادل المعلومات، فمعركة مخيم جنين ما كانت لتحقق انتصاراتها لولا وحدة الموقف والصف والقرار والنضال ، فالوحدة التي نحن بأمس الحاجة إليها اليوم كانت عنوان الانتصار التي يجب أن نستمد منها العبر لإعادة ترتيب أوضاع الساحة الفلسطينية ومواصلة المسيرة لأن المعركة لم تنتهي بعد ولا زالت مستمرة حتى النصر . فعلى الرغم من كل النقاط السوداء وكل مشاهد الذل والخذلان في حاضرنا العربي والإسلامي الاّ أنه ما زالت هناك نقاط مضيئة تستحق أن نفتخر بها ... معركة استحق الفلسطينيون أن ينحني العالم لهم إجلالاُ وإكبارا .... معركة أعلنت للعالم فشل اجتياح العدو للمخيم، و سطر هذا المخيم الصغير بمساحته، الكبير برجاله البواسل أعظم البطولات على مدى ما يزيد عن عشرة أيام وأثبث برجاله ونسائه أن الإيمان والتصميم والإرادة هي التي تصنع المعجزات، فالجيوش العربية في حزيران 1967 لم تصمد أكثر من ستة أيام فقدت خلالها الأمة الضفة الغربية وسيناء والجولان، في حين أن هذا المخيم المتواضع مساحة وأسلحة والعظيم برجاله والمفعم بالشجاعة والصمود صمد ما يزيد عن عشرة أيام، كانت يمكن أن تمتد أكثر من ذلك لولا نفاذ ذخيرة الفدائيون ، فبعد كل هذا الصمود الباسل تبقى الإرادة شامخة لم ولن تنكسر .هكذا لم ينحن مخيم جنين و بقي مرفوع الجبين ممهدا للنصر المبين للشهداء الرحمة .... ولنا على الدرب البـــقاء.....جنين لا تحـــــزني ...... لا تســـــألي .....كيف صارت الرجـــــــــــــال نســاء
17:38
3asefa
0 comments:
Post a Comment